زراعة “الأفوكا”.. الفلاحة القاتلة للأرض والإنسان

تتزايد مؤخرا حدة الأصوات المطالبة بوقف زراعة فاكهة الأفوكادو، ليس في المغرب فقط، بل إن الأمر انطلق من عدة بلدان في أمريكا الجنوبية، وخاصة المكسيك على اعتبار أنها المنتج والمصدر الأول لهذه الفاكهة التي لقبوها بـ”الذهب الأخضر” لارتفاع أسعارها في السنين الأخيرة حتى باتت فاعلا في عدد من الشركات الكبرى العالمية وفي البورصات، وذلك لدورها الكبير في استنزاف الفرشة المائية والقضاء على مساحات واسعة من الأراضي.

بقلم: جميلة حلبي

في المغرب، وحسب مجموعة من التقارير، فقد أخذت القيمة التسويقية للأفوكادو في الارتفاع تدريجيا مع توالي السنين، ما جعل المستثمرين في هذه الفاكهة يعتمدونها كأساس للزراعات التصديرية لأنها مدرة لدخول كبيرة رغم أنها تساهم بشكل كبير في استنزاف الفرشة المائية، وأخذت في الاستحواذ على المزيد من المساحات على حساب الزراعات المعيشية.

وقد دق خبراء وعدد من الجمعيات الحقوقية ناقوس الخطر بخصوص الخطر المحدق بالبنك المائي للمغرب جراء توسيع المساحات المزروعة بالأفوكادو، وخاصة في منطقة الغرب، وتوالي تحذيرات البرلمانيين في مجلس النواب والمواطنين والفلاحين في هذا الشأن، ومن ذلك ما جاء على لسان مصطفى بنرامل، الخبير البيئي ورئيس “جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ”، في تصريح لأحد المواقع، من أن “زراعة الأفوكادو تشكل تهديدا حقيقيا للوضع المائي في المستقبل، لأنها لا تراعي بتاتا حجم الإجهاد المائي الذي وصل إليه المغرب، وتتواصل بقوة، خاصة في منطقة الغرب”، ذلك أن التوسع الكبير للمساحات المزروعة بالأفوكادو في منطقة الغرب له انعكاسات سلبية على الفرشة المائية وجودتها في الأمد القريب، ما يجعل البلاد مهددة بأن تعرف الوضع نفسه الذي عاشه جنوب إسبانيا والبرتغال جراء استنزاف ثرواتهما المائية قبل أن تقرر السلطات وقف زراعة فاكهة الأفوكادو.

وبلغة الأرقام، فقد بلغ حجم تسويق الأفوكادو في الأسواق العالمية في سنة 2021، حوالي 14 مليار دولار، وقد تصل المبيعات إلى 30 مليار دولار في أفق 2030، وأكبر المستفيدين من هذه التجارة كمشة من الشركات التي تعمل وفق منظور الربح المادي فقط، وبالنسبة للمغرب، فقد أفادت مجموعة من التقارير أن صادرات الأفوكادو بلغت في الفترة ما بين يوليوز 2022 وماي 2023، 45000 طن بقيمة 139 مليون دولار (139 مليار سنتيم)، وفي الفترة ما بين يوليوز 2023 ويناير 2024، بلغت صادرات الأفوكادو من المغرب 40 ألف طن، بقيمة تبلغ 120 مليون دولار (120 مليار سنتيم)، كما وسع مصدرو المغرب جغرافية مبيعاتهم.. فبعد أن كانوا يتعاملون مع 19 دولة مستوردة قبل 6 سنوات، أصبح الرقم حاليا 25 دولة.

وحسب منصة “إيست فروت” (Eastfruit) المتخصصة في رصد أسواق الخضر والفواكه في العالم، فإن إنتاج وتصدير “الأفوكا” في المغرب أخذ في الارتفاع تدريجيا منذ بداية زراعة هذه الفاكهة سنة 1988، حيث تستمر البلاد في زيادة حجم التجارة وتحقيق أرباح متزايدة من صادرات الأفوكادو إلى الخارج، وخاصة مع انطلاق مخطط “المغرب الأخضر”، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المواسم المقبلة في ظل ما أصبح “الذهب الأخضر” يدره من مبالغ خيالية في خزينة المستثمرين في هذه الفاكهة.

وفي دراسة نشرتها شبكة “سيادة”، التي تعنى بالسيادة الغذائية باعتبارها حقا إنسانيا للشعوب في تحديد نظامهم الغذائي مع إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي والمواد الغذائية الأساسية والقيام بالإصلاحات الزراعية اللازمة وضمان حرية الحصول على البذور وحماية المنتوجات الوطنية وإشراك الشعوب في بلورة سياستها الفلاحية، وذلك وفق الأرضية التي انطلقت منها الشبكة لدراسة خطر المنتوجات التصديرية على الفلاحة المعيشية، والتي للأسف – تقول الشبكة – تم تقويض هذه السيادة في شمال إفريقيا والمنطقة العربية ككل، حيث كانت البداية مع الفترة الاستعمارية ثم تواصلت وتدعمت بفعل السياسات الاستعمارية الجديدة ذات النهج الاستنزافي تحت شعار التنمية، وبالتالي، ساءت هذه الوضعية بسبب التزام الدول بشروط منظمة التجارة العالمية واتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.. في هذه الدراسة تطرقت “سيادة” لكيفية استحواذ الرأسماليين الكبار على المنتوجات الطبيعية المحلية للبلدان وتسجيلها كعلامات تجارية للشركات متعددة الجنسية، وأثر ذلك على إنتاج وتصدير الأفوكادو ومدى “الدمار المروع” الذي تخلفه هذه الشركات الزراعية /الصناعية /التجارية في غابات أمريكا الجنوبية بالخصوص، مع العلم أن هذا الاستعمار الزراعي أخذ يزحف على آسيا وإفريقيا، ما أدى ويؤدي إلى تضرر الفلاحين الصغار، وبالتالي تضرر الاقتصاد الوطني.

ففي شمال إفريقيا، بدأت شركات أجنبية في الاستحواذ على الأراضي الزراعية وتجهيزها لإقامة مصانع زراعة الأفوكادو، وفي غالب الأحيان، يجري تشييد هذه الاستثمارات الزراعية الموجهة بالأساس إلى التصدير والمستنزفة للمياه في مناطق باتت مواردها المائية مهددة، ما يعمق أزمة الساكنة المحلية للمناطق التي تعرف تلك الزراعات، والنموذج من المكسيك، التي تضرر سكانها كثيرا من زراعة وتصدير الأفوكادو، خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تسيطر على هذه المنتوجات من طرف شركات كبرى فاعلة في عالم البورصات، لذلك انتظم السكان المتضررون في تنسيقيات ونقابات للدفاع عن أراضيهم في مواجهة الدولة، والتي تؤخذ منهم غصبا لزراعتها بالأفوكادو حتى أصبحت أيدي المستثمرين تتجرأ على الغابات وتقوم باجتثاثها من أجل تلك الزراعة التي تبيض لهم ذهبا، ما يطرح مخاوف من أن يمتد صدى تلك الاحتجاجات إلى المغرب في مواجهة منتجي ومصدري الأفوكادو، في ظل ندرة المياه وأزمة الجفاف التي تعيشها بلادنا.

والملاحظ في عدة بلدان تعرف إنتاج الأفوكادو، أن هذا النوع من الزراعات لا تستفيد منه الشعوب، أولا لأن أثمنتها مرتفعة في الأسواق المحلية، وثانيا لأن إنتاج هذه الفاكهة قائم أساسا على تدمير الغابات وفرط استغلال المياه، وعلى “استئصال” – إن صح التعبير – عدة أنواع من الزراعات المعيشية.

وقد باتت الأفوكادو الفاكهة الأكثر تسويقا في العالم مقارنة مع الأنواع الأخرى، فزراعتها تتمدد وتتطور من حيث الإنتاج ومن حيث المساحات المزروعة، كما يتواصل ازدهارها بشكل متنامي في عدد من البلدان، حتى انتهى المطاف بهذه الفاكهة إلى اعتمادها كأحد مظاهر الاحتفال في أحداث رياضية، ومن ذلك ما شهدته الولايات المتحدة في شهر فبراير 2023، عند اختتام الدورة السابعة والخمسين من بطولة “سوبر بول” (Super Bowl)، وهو بالنسبة للأمريكيين

حدث السنة الرياضي الأكبر لكرة القدم الأمريكية، فقبل الحدث بشهر، تم جلب عشرات آلاف الأطنان من الأفوكادو من مدينة ميتشواكان المكسيكية، حيث يعتبر هذا الحدث الرياضي الأكثر استهلاكا للأفوكادو من طرف المشاركين والجماهير والمتتبعين والمستشهرين، وقد صرح بالمناسبة المدير العام لجمعية منتجي ومكيفي ومصدري الأفوكادو في العاصمة مكسيكو، والذي أنفق 7 ملايين دولار لنشر إعلان تجاري في أثناء المباراة: “يمكن بكميات أُكلة غواكامولي المستهلكة أثناء منافسات سوبر بول وحدها، ملء 30 مليون قبعة لاعب كرة القدم الأمريكية”، في مظهر ينم عن قمة الانتشاء بالأرباح الخيالية التي يحققها المستثمرون من وراء الأفوكادو، وبهذا الخصوص تم وضع شكاية ضد حكومة المكسيك لدى لجنة التعاون البيئي لمعاهدة كندا-الولايات المتحدة الأمريكية-المكسيك، تؤاخذها بتهمة “إبادة إيكولوجية وأثار بيئية مرتبطة بالإنتاج في مدينة ميتشواكان”.

وفي المغرب، ووفق تقرير نشره موقع “هسبريس” شهر أبريل المنصرم، فقد “وصل الإنتاج المغربي من فاكهة الأفوكادو لموسم 2023-2024، إلى حوالي 70 ألف طن، في حين بلغت الصادرات منه حوالي 60 ألف طن، بينما لم تستفد السوق الداخلية سوى من 10 آلاف طن”، وحسب نفس الموقع، فإن “النقاش على مستوى الفضاء العام لا يكاد يهدأ حول مدى استهلاك هذه الزراعة للمياه، إذ يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من الفاكهة الخضراء ما بين 700 و800 لتر، بينما يصل متوسط الاستهلاك فيما يخص إنتاج الفواكه إلى 962 لترا للكيلوغرام الواحد وإلى 300 لتر بالنسبة للخضراوات، في غياب أرقام رسمية وثابتة”، وهذا رقم كبير حققته زراعة الأفوكادو رغم الأزمة المائية التي يعيشها المغرب، ورغم تعالي الأصوات المحذرة من استنزاف الفرشة المائية في زراعات لا يستفيد منها المواطن، ورغم دخول المغرب في مخطط طويل الأمد لتدبير الماء، بالمقابل، يرفض منتجو الأفوكادو الاتهامات الموجهة إليهم بخصوص تسببهم في استنزاف الموارد المائية، ويتشبثون بما قالوا إنها “فوائد زراعة الأفوكادو في جلب العملة الصعبة وتوفير فرص الشغل”، ويطالبون وزارة الفلاحة بـ”حماية المنتوج الوطني من المغالطات”، وفق تعبيرهم.

وفي ظل هذا الشد والجذب بين المستفيد وغير المستفيد من زراعة الأفوكادو ببلادنا، وبين المنتج والمتضرر، وفي ظل ما وصلت إليه تجارة الأفوكادو على الصعيد العالمي من ازدهار على مستوى سوق الرساميل، وما وصلت إليه من تدمير للغابات ومصادر المياه في عدد من بلدان أمريكا الجنوبية، لكونها السباقة إلى هذه الزراعة، ما أجج رفض الساكنة المحلية للمزيد من استنزاف المياه والغابات من طرف كبار الفلاحين المستثمرين.. كل هذا يحيلنا إلى طرح التساؤل: هل تنتقل عدوى الاحتجاجات إلى المغرب بسبب “الذهب الأخضر” لتنضاف إلى سلسلة الاحتجاجات التي تعرفها عدة قطاعات حيوية تعيش على صفيح ساخن منذ عدة أشهر ؟

تقريرالاسبوع

عن الاختيار24

شاهد أيضاً

المحامي زيان والثائر بوحمارة

  بقلم: الطيب العلوي في حالة صحية متدهورة، وعلامات الإرهاق والتعب على محياه، وصعوبات كبيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 + 5 =