المحامي زيان والثائر بوحمارة

 

بقلم: الطيب العلوي

في حالة صحية متدهورة، وعلامات الإرهاق والتعب على محياه، وصعوبات كبيرة في المشي.. هكذا ظهر محمد زيان، أو ما بقي منه(…)، خلال حضوره للجلسة التي عقدتها غرفة الجرائم لدى محكمة الاستئناف بالرباط يوم الإثنين الماضي، منظر أثار جدلا واسعا بالمغرب بعد أن تداول العديد من النشطاء، وأصحاب الحسنات(…)، صورته وفيديو يوثق خروجه من باب عادة ما يمنع التصوير أمامه.. منظر، بحكم الماضي والحاضر(…)، لم يذكرني لا ببوعمامة الذي مهد لاحتلال الفرنسيين للصحراء الشرقية(…)، ولا بـ”بوشوشة” أشهر قطاع الطرق في تاريخ المغرب(…)، ولا بـ”بوبغلة” و”بومعزة” اللذان يُعدّان تاريخيا من “أقطاب الفتنة”، وإنما بيوم عقاب الثائر بوحمارة..

ولمن لا يعرف بوحمارة، فهو ذلك المتمرد الذي كاد أن يسقط ملوك المغرب، والمغاربة القدامى كلهم يعرفون ماذا عاناه المغرب أيام بوحمارة.. فقد كان له لوحده “بوليساريو” من نوع آخر(…)، سجلت ثورته انتصارات على المغرب النحيف، ونصب نفسه أميرا على شمال المغرب الشرقي.

بوغاتشيف المغربي".. عندما أجهضت الجيوش السلطانية الثورة "البوحمارية"

مرت الأيام وانتهت الأمور بالقبض عليه(…)، وأحضِر داخل قفص إلى قصر المولى عبد الحفيظ، وعلقوه بجانب سور تحت الشمس قبل إطلاق النار عليه، ليبقى “بوحمارة” في ذاكرة التاريخ المغربي كعنوان للانحطاط بسبب تمرده، إلى أن تحول النعت بـ”بوحمارة” إلى ترجمة لتقاعس الناس عن قيامهم بواجبهم تجاه القضايا الوطنية الكبرى، أو الاقتصار في تحركهم على تصيد الفرص، للانتقام أو لتصفية حسابات قديمة(…).

أما من لا يعرف ماضي المحامي محمد زيان، قبل زمن الأنترنيت(…)، وقبل أن يُدمن على الميكروفونات المتنقلة التي ألقت به في جهنم(…)، فقد سبق بتجربته المشحونة(…) أن سُمي بـ”محامي الحكومة” بعدما اختاره إدريس البصري لمتابعة القطب النقابي نوبير الأموي الذي اتهم الوزراء بالسرقة، ليعيَّن فيما بعد وزيرا لحقوق الإنسان، لأن البصري كان يعرف حق المعرفة أن زيان لا يمكن أن يدلي باتهام من هذه الضخامة، ولا أن يغامر بما تبقى من عمره(…) إلا إذا تم تكليفه بهذه المهمة.

ومرّت الأيام، إلى أن استدعى البصري محمد زيان ليوبخه بعدما سمع أن زيان قد سماه في إحدى الجلسات بـ”الروبلار”، يعني الماكر، ليجيبه زيان: “إن الروبلار هو الذي يحب عملة الروبل”، ليرد عليه البصري: “إنك جاهل باللغة الفرنسية”.. ربما بدأت عملية العد التنازلي لزيان منذ ذلك الوقت، إلى أن رأيناه مثل شخصية “بوحمارة” هذا الأسبوع..

يقول المثل المغربي: “اللي ما عندو همّ تولدو لو حمارتو”، وبعد وصف الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور في كتاب “أعيان المغرب”، بوحمارة بجد المستحمرين، وحاشى السامعين(…)، وبعد أن شبه المختار السوسي في كتابه “إيليغ”، المهدي بنبركة ببوحمارة زمانه حتى قبل اختطافه(…)، فيمكن القول أن لكل زمن “بوحمارتو”.. ها نحن في زمن “إعادة تربية المغاربة” حسب “مذهب” أخنوش ومن معه، ومن تم فإن صورة اقتياد زيان من طرف عدد كبير من رجال الدرك، انطلاقا من الشارع العام في اتجاه المحكمة، تقول إن هذا مصير كل المتمردين، رغم أن القوانين الحديثة تتعارض مع هذه الأساليب القديمة(…)، وقد يكون لهذه الصورة ثمنها في المحافل الدولية.. فبغض النظر عما فعله المتهم زيان، إلا أن ظهوره في مشهد يعود لزمن بوحمارة، رغم تطور وسائل المحاكمة، وآليات حقوق الإنسان، وضعه في قلب موجة تعاطف بنظرته العميقة التي رسمها السن، والغارقة في الحزن والأسف.. فمن كان يظن أن محامي الحكومة سينتهي هكذا ؟

ارحموا عزيز قوم، بل ارحموا الوطن من هاته الصور المسيئة، وارحموا البلاد من هذه الحكومة التي جعلت من رفع الأسعار، وإلغاء المقاصة، والمحاسبة الانتقائية، طريقا سريعا نحو “إعادة تربية” كل معني بالأمر.

المصدر الاسبوع

 

عن الاختيار24

شاهد أيضاً

التعديل الحكومي المرتقب وسؤال الفعالية والنجاعة

لا حديث يعلو هذه الأيام في الساحة السياسية المغربية على حديث التعديل الحكومي المرتقب في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + ستة عشر =